نعم للثورة الفكرية

"نعم للثورة الفكرية " هي بقعة ضوء ومتنفس حرية لكل الطامحين لإقامة مجتمع يحترم كل افراده على اختلافاتهم وتنوعهم.

الخميس، 25 يونيو 2015

صرخة أنثوية

مقالتي ليست دعوة للإباحية، وإنما أؤمن بأن المرأة خلقت إنسانة حرة وهي الوحيدة المخولة حماية نفسها بنفسها والتحكم في جسدها وسلوكها وأخلاقها ولباسها ووضع قيودها بيدها. وليست طعناً في الدين كما سيفهمها ويأولها الكثيرون، وإنما هي صرخة أنثوية تنوب عن من لا صوت لهن في محتمعاتنا العربية الذكورية التي يطغى على عقولها الإزدواجية في التعامل مع الجنسين وتتسم بفكر رجعي عنصري ضد كيان وجسد المرأة وتسرطنها ثقافة جنسية بدوية مشوهة تربط شرف الرجل والعائلة والقبيلة بغشاء بكارة البنت وسلوك وجسد المرأة، مستثنية شرف وسلوك و جسد الولد والرجل... عقولٌ تقدس كتب فقه الأقدمين التي تعج بالجنس وافتضاض بكارة الصغيرات وما ملكت اليمين "متعة وعرف وووو" من طرف الفحول في الدنيا الزائلة وحور العين العذارى اللواتي ينتظرن قدومهم في الآخرة. والتي ساهم في تغلغلها عبر الأجيال مشاييخ وأئمة متاجرين بالدين ضعفاء العقل يعتبرون أنفسهم علماء الأمة، غيبوا العقول عن العلوم والمساواة والإنسانية وتفرغوا للإفتاء في الجنس والإهتمام بجسد المرأة .

إذا رجعنا إلى كتب التاريخ القديم سنجدها حافلة بالمعطيات التي تؤكد أن المرأة كانت "ملكة" وكانت تحتل أرقى وأعلى المناصب فى كل المجالات. وقد قدّست وعوملت كإلهة للعلم و الطب و للحكمة والمعرفة و للعدل والقضاء؛ لكن الحال لم يدم إذ بدأت القيم الأبوية المعادية للمرأة تظهر مع النظام "الطبقي الأبوي" الذى حكم العالم بعد "الحضارات الأمومية" . ولا زالت المرأة إلى يومنا هذا تعاني من الحيف والتمييز في مجتمعاتنا. فيوم ولادتها شؤم للأم وحزن للأب عكس المولود الذكر مباهات وفخر للعائلة، وتزويجها في الصغر حماية لشرف العائلة وستر لها، وتلقيبها بزوجة فلان وأم علان فخر لها، وتقزيم دورها واختزاله في أشغال البيت والنكاح والولادة وتربية الأطفال تكريم لها.


الرجل الشرقي جاهلاً كان أو مثقفاً يعاني من الإزدواجية وانفصام الأخلاق  فهو يتشدق بالإنفتاح وينادي بحرية المرأة فقط خارج سرب العائلة، أما داخلها فهو تقليدي متزمت وعنصري لا يتزحزح قيد أنملة عن موروثاته وهوسه بعذرية الفتاة. غرامياته في سن المراهقة وعنترياته الجنسية في مختلف مراحل حياته مباركة من الجميع وتعتبر تجارب لا غنى له عنها لقياس فحولته ومدى تفننه في طرق الجماع. بينما الفتاة تلقّن أن الصداقة مع شاب ولو بريئة حرام و الجنس حرام ونجس والرجال كلهم ذباب وذئاب مفترسة خطرة عليها النفور والإبتعاد عنهم. تُحرس طيلة وجودها مع أسرته وتطالب بالنقاء والأخلاق والحفاظ على عذريتها لزوج المستقبل المجهول. و قانونيا ـ في بعض البلدان ـ على ولي أمرها أن يدلي بشهادة طبية تثبت عذريتها أثناء توثيق عقد الزواج.

بحكم التربية العوجاء والمفاهيم الخاطئة المأخوذة من كتب السلف الغابر سلبت المرأة حريتها الشخصية وحرية الرأي والإختيار وانتزعت منها حقوقها وكرامتها وأصبحت مفعول بها بعد أن كانت فاعلة وأ صبح غشاء البكارة فزاعة تقد مضجعها وتنغس حياتها .
جسدها .. أصبح ملكية خاصة للعائلة وللزوج؛ فرض الحجاب والنقاب واللباس الفضفاض وعدم الخروج من البيت إلا بمحرم؛ لأنها عورة وكل جزء من جسدها فتنة مثيرة لشهوات الذكور ، ختانها رعب وإهانة في حقها للجم كل رغبة أو ميل جنسي لديها، الحفاظ على غشاء بكارتها رهين بالسمعة الأخلاقية للعائلة وشرف كل ذكورها وفقدانه وصمة عار يجر عليها الويلات: الضرب والتعنيف والتبرؤ منها و غالبا تعاقب بالزواج من مغتصبها. القتل "جرائم الشرف" مألوف في الصعيد والبوادي و الأرياف ولا يعاقب الجاني لأن القانون والمجتمع يحميانه ويساندانه ويتعاطفان معه. إن هي فرطت في عذريتها غصبا أو كرها ، حتى وإن ولدت بغشاء مختلف عن باقي بنات جلدتها ـ لا يمزق أو ينزف دما ـ تصبح، ظلما وعدوانا، ضحية وفي نفس الوقت الملامة والجانية وحاملة الخطيئة والوزر على عاتقها. ضرب الزوجة النشاز، من المسلمات لتأديبها وإتباث قوامة وفحولة الزوج عليها لأن الرغبة والجنس من حقه وحده في أي وقت؛ وقد خلقت لإشباعهما له وإسعاده؛ أما هي فلاشهوة ولا أحاسيس لديها وليس من حقها أن ترفض وإن تجرأت وطلبت هي الجماع اعتبرها فاجرة قليلة الحياء والتربية ويبدأ الشك يلعب بعقله. ورجمها حتى الموت أو السجن إن زنت والزاني في الغالب معفى، و الزواج عليها من ثلاث أخريات حق له شرعا وقانونا ولا أهمية لمشاعرها وكرامتها.

نستنتج من كل هذا أن الرجل العربي ،الشرقي خاصة ،جاهلا أو مثقفا كان فهو مستبد. شخص داعشي المعاملة والأخلاق بامتياز لأنه جُبل على ذلك ومن المفروض ـ في اعتقاده ـ أن يطبقه بحذافره، فهو يعشق بعجرفة الهيمنة والسيطرة على الأنثى. ينتشي بالتنطع والتباهي بفحولته وعنثرياته الجنسية مع باقي النساء. يصر بأنانية وحب إمتلاك، أن له الحق وكامل الصلاحية لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن ماض لم يكن موجودا فيه ويحبذ أن ترتق بكارتها وتكذب عليه بدل الصراحة وتفهّم مشكلتها لأن الحقيقة وعدم فضه الغشاء ورؤية الدم إهانة له ولشرفه أما هو فقضيبه مشاع ولا يمثل شرفه أو شرفها. يعطي نفسه حق الإنتقاد والشتم والتحرش والإغتصاب والطعن في أخلاق كل أنثى مختلفة عن تصوره ومعتقداته وأفكاره لأنها في نظره عورة ناقصة عقل وتربية "فاجرة" سهلت المنال. غروره وحبه لذاته وهوسه بشهواته وغرائزه الجنسية يجعلونه يرفض الزواج من حبيبته أو عشيقته.. فلهيب الغيرة والشك يحرق قلبه ويفقده ثقته فيها لتحمل إسمه أو تكون أماُ لأولاده مستقبلا ـ قد يبقيها عشيقة في السرـ و عندما يعزم على الزواج غالبا أمه أو أخته أو إحدى نساء العائلة تختار عروسا بدون ماضي عاطفي أو جنسي"عذراء" من أجل غزوته وفتحه الأعظم للتباهي أمام أقرانه وأسرته بفحولته والتزام عروسه بطهارتها ونقاءها من أجله دون غيره حتى قبل أن تعرفه.

كل ما ذكر ينطبق أيضا على أغلب من يعيشون في الغرب؛ تعليمهم وثقافتهم الأجنبية وتواجدهم في بلد حضاري ومتقدم لم يشفعا لهم للتخلص من أفكارهم المتزمتة وعادات قبيلتهم وموروثاتهم الخرافية أو على الأقل التأقلم مع تلك الأجواء. لأنهم متشبتون بقوقعتهم منغلقين على أنفسهم، حريصين على السكن ضمن مجموعة عربية مشابهة لمجتمعاتهم وطقوسهم بعيدا عن أي انفتاح أو تقدم. بعضهم له عشيقة يسكن معها و أحيانا زوجة تكبره سنا من أجل ضمان الإقامة وكل الحقوق كالمواطن الغربي. ثم يعود لبلده في العطلة ليجد أمه قد اختارت له عروسا صغيرة "عذراء" من البادية أو المدينة أمية أو متوسطة التعليم؛ إذا كانت محظوظة ستقيم معه في الغرب. لكنه مطمئن لأنها لا تتقن أي لغة أجنبية ولن تشتغل ولن تخونه أو تتابع غرامياته ولن تطالب بحقو قها وحريتها كالغربيات الكافرات. لأنها مبرمجة على الطبخ والكنس والغسيل و العبودية والأهم من هذا كله أنها صغيرة جاهلة "عذراء " لم يمسسها قبله إنس ولا جان، ولن تقارنه بأحد وهو الفاتح المغوار. وسيئة الحظ من يتركها بعد أيام معدودة مع أمه و إخوته ليحرسوا شرفه في غيابه إلى أن يعود في كل عطلة.

أما من سولت لها نفسها الخروج عن الطريق ـ الذي رُسم لها منذ ولادتها ـ بحكم نضجها الفكري وثقافتها ومعرفة مالها من حقوق وواجبات وتجرأت على ربط علاقة ولو عاطفية خالية من الجنس مع شاب فهي "فلتانة"، "شمال" ، "عاهرة" تلوك الألسنة أخلاقها وعرضها وتزاح من قائمة العفيفات الخلوقات الصالحات للنكاح.
ونادرا ما نجد مثقفا متفتحا واعيا يؤمن بالحرية الشخصية والمساواة بين الجنسين و يطبقهما على أرض الواقع.. ينادي بحرية وحقوق المرأة ويسعى جاهدا لتدمير السخافات والتراهات الذكورية وهرطقات الشيوخ المقززة ؛ في كل المناسبات والمحافل.. يعشق عقل و شخصية و فكر و قلب المرأة؛ التي ستشاركه حياته ؛ قبل مظهرها و جمالها و جسدها وعذريتها لأن ما سيجمعه بها من مشاعر حب واحترام وتفاهم وصدق وصراحة وصداقة ووفاء متبادلين وتقارب في الأفكار أسمى من وهم قطعة جلد تافهة يعلق عليها شرفه لتضيع منه إنسانة اختارها بعقله وقلبه .

Nrma Radia